آخر المقالات

تاريخ حياكة الصورة بالصوت والخيال ‎‎


سحر الصوت وعوالم الخيال هي من تصنع الصورة.

هكذا كان التواصل.. حديث بلا قراءة أو كتابة، يحكي هو - أي الشخص - ويسمعه الآخرين، بعد أن كان يرسم وينحت ليعبر عن نفسه، لكن بعد أن اخترع الإنسان اللغة أو طورها صار الاتصال عبارة عن كلام واستماع، هكذا بدأ التعبير بالصوت وتلوين الصور في خيال المتلقي، حتى تتشكل المشاهد في ذهن المتلقي وسط أصوات الطبيعة التي لا تحكي بينما تخط إطار الصورة.

ربما ذلك هو الوصف الدقيق لإنتاج الإعلام المسموع، كل ما تحتاجه كلام يصف المشهد، وأصوات الطبيعة التي تكمل الصورة، وخيال المتلقي الذي يسافر مع الصوت ليشكل الصورة، دون أن يعرف أن "يفك الخط" حتى.

كان لوجود الراديو قوة كبيرة في تغيير مجرى الأخبار وصناعة الإعلام، منذ أن كان الناس يتجمهرون حوله لمعرفة قرار البرلمان البريطاني من دخول الحرب العالمية الثانية
والوصول إلى الجميع حتى ذلك الأمي الذي لا يعرف أن يفك الخط، هي من أهم الصفات التي تميز الراديو كوسيلة من بين وسائل الإعلام، حيث ظلت الوسائل المقروءة مرتبطة في طبقة متعلمة إلى حد كبير، تتمكن من أن تشتري نسختها المطبوعة وتدفع ثمنها كل يوم، حتى ظهر "المذياع" الذي ينقل المعلومات ويصنع الترفيه للجميع دون أن يميز بين المتلقين، ما عليك إلا أن تدفع ثمن المذياع مرة واحدة، في المقابل يهبك هذا الجهاز كل ما لديه من معرفة وتسلية كل يوم.

كان لوجود الراديو قوة كبيرة في تغيير مجرى الأخبار وصناعة الإعلام، منذ كان يتجمهر الناس حوله لمعرفة قرار البرلمان البريطاني من دخول الحرب العالمية الثانية، وكان لهذا الجهاز أثر كبير في نقل أخبار الحرب، ودغدغة المشاعر العربية وتفاعلها مع الأحداث.

قد تعتبر عبارة "هنا لندن.. سيداتي سادتي، نحن نذيع اليوم من لندن باللغة العربية لأول مرة في التاريخ"، العبارة الأكثر رسوخا في ذاكرة التوثيق العربي للراديو، كان صوت للمذيع كمال سرورو من قناة "بي بي سي" الإذاعية البريطانية سنة 1938، على الرغم من أن الأبحاث تشير إلى أن الجزائر ومصر عرفت الإذاعة قبل هذه السنوات وقبل الـ "بي بي سي".


منذ ذلك الزمن، ظل الراديو محتفظا بمكانته ولم تهزم خدمات الإرسال التلفزيوني الراديو، الذي ظل رفيق الطريق والخيال، ففي الوقت الذي يحتاج المتلقي حاسة السمع والنظر لتصل إليه معلومة من التلفاز، ظل يحتاج حاسة السمع فقط لتصل له المعلومة، وهو في العمل وبالطريق وقبل النوم، لذا ظل الراديو وفيا لحق الجمهور بالمعرفة بأكثر الطرق سهولة.

الراديو ظل وفيا للإبداع أيضاً، ففي الوقت الذي تنسف فيه الصورة والصورة المتحركة ألف كلمة وأكثر، حافظ الصوت على رسم صور في الخيال، وتلوينها بألوان حناجر المذيعين ومستند على الأصوات الطبيعية، ليتصل المرسل والمستقبل بتفاصيل محيطهم.

وفي الوقت الذي قلب فيه الإنترنت صناعة الأخبار رأسا على عقب، وبدلت المنصات الأدوار في عملية الاتصال، وجاء الإعلام الرقمي مختصراً كل المراحل التي تشكلت فيها وسائل الإعلام، ظل الراديو يحارب للبقاء، فصارت الكاميرا التي تبث برامج الراديو على الإنترنت جزء أساسي من استديو الإذاعات، وتحول تردد الـ F.M إلى مواقع ثم تطبيقات، ورغم تراجع جماهيرية الإذاعات إلا أن الصوت ظل رفيق الدرب والخيال.

ليعاود الصوت الحضور وينتفض قبل إندثاره ويأخذ شكلا يشبه العصر وأدواته بما يعرف بـ "البودكاست" التي يعود تاريخ نشأته إلى عام 2004، إلا أن المرحلة المفصلية في انتشار الـ "بودكاست" كانت عام 2012 حينما قامت شركة Apple بإدراج Apple podcast كتطبيق أساسي في هاتفها الذكي.

التكنولوجيا منحت للإنتاج الصوتي سحراً فوق السحر، وظلت وفيّه للمبادىء الأولى في هذا العالم، فـ كل ما تحتاجه صوت المتحدث وأصوات المحيط، وخيال المستمع الذي يختار ما يناسبه من المعرفة والترفيه، دون تكلفة حيث يكفي أن يتصل مرة واحدة في الإنترنت ليستمع إلى سلسلة من الحلقات في أي وقت حتى دون الاتصال بالإنترنت.

وهكذا استطاع الصوت أن يجبر كبرى المؤسسات الإعلامية بأن تعود إلى إنتاج المواد المسموعة، وبأن يترك المذيعين أضواء الكاميرات ليخفوا وجههم خلف "مايكروفون" التسجيل، وبأن تُسمي برامج الفيديو نفسها "بودكاست" لتواكب "الترند" الذي كبر سوقه ليصل حجم الصناعة فيه إلى 23.56 مليار دولار في عام 2023.
احصائيات صناعة البودكاست في العالم - انفوجرافيك by Hiba Jawhar
هبة جوهر
بواسطة : هبة جوهر
صحفية ومعدة برامج رئيسية، عملت هبة في عدد من وسائل الإعلام المحلية والدولية، حيث اكتسبت خبرة واسعة تمتد لأكثر من 10 سنوات في مجال الصحافة والإعلام المكتوب والمسموع والمرئي.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-