مقالة تجريــبية في مدونة قصة

صورة تعبيرية 

ما هي الأحلام.. كيف تتشكل وكيف تتغير؟ 

كنت طفلة حينما رسمت على  خزان الماء في سطح بيتنا لوحا وطلبة كنت أنا معلمتهم، لا أذكر ما المخزون المعرفي لطفلة حتى تتخيل نفسها معلمة وتقضي ساعات على سطح العمارة لتعلم طلابها وتلاعبهم وتلعب معهم ومع الخيال، ذلك الخيال كبر مع شخصيات رسمتهم على  الخزّان، حتى أنني  بكيت كثيرا حينما ذهبت إلى المدرسة في أول يوم وقلت لأمي "لا أريد هذه المدرسة لأنها لا تشبه تلك التي في خيالي".

على الرغم من ذلك ظلت أمنيتي حاضرة  بأن أصير معلمة حينما أكبر، وعلى الرغم من عدم تأثير أي معلمة في حياتي أو سلوكي، أجبرت نفسي على استحضار إحداهن، مرة أحببت معلمة اللغة العربية لأنها أم وعاملة وتكمل دراسات عليا، ولأنها كانت تحترم حصة التعبير وتدمج حصتين متتاليتين مع بعضها لنكتب ونسرح في الخيال وكانت في هاتين الحصتين تتركنا نختار المكان الذي نكتب فيه التعبير ولم تلزمنا يوما البقاء على أدراجنا أو في الغرف الصفية، لذا أحببتها لكني نسيت اسمها ولم أبح يوما لأحد أني كنت أحترمها حد استحضارها كنموذج، وسبب النسيان والكتمان أن معلمة اللغة العربية لم تكن جميلة كما حددوا لنا معايير الجمال والقبول، فالطفلة –يعني أنا- التي أصبحت يافعة تركت لعبة الباربي الشقراء الطويلة والتي تمتلك فساتين بألوان زاهية منذ وقت ليس ببعيد، كيف لها أن تكوّن نموذجا مثاليا بذهنها لسيدة تخالف كل معايير الجمال الذي نشأت عليها! كبرت وحاولت تشكيل صورة نموذجية لمعلمة أخرى لكني فشلت أو ربما هن من فشلن أو ربما النظام التعليمي هو الذي فشل.

طبعا في فترة الإعدادية بدأت القراءة، وكأي مبتدأ قرأت الكثير من نزار قباني، وشيئا من أحلام مستغانمي، وخضت تحديا لأن أفهم محمود درويش، حينها حلمت بأن أكون حبيبة نزار قباني في إحدى قصائده، وظننت أني سأعيش يوما تفاصيل "حياة" في رواية  ذاكرة الجسد لأحلام مستغانمي وسأعيش الحب والسياسية وسأكتب وأسافر، ثم حلمت بأن أكون أيقونة شعرية ووطنية كما محمود درويش، لكن هذه الأحلام كانت تتلاشى مع بقاء الخيال والرواية.

المهم أن صورة المرأة القوية المتفردة الحالمة ظلت تلاحقني حتى أتشكل على هيئتها، حتى ظهرتا شيرين أبو عاقلة وجيفارا البديري أما الكاميرا تعليان من شأن الكلمة تناضلان من أجل إيصال صوت الحق، وكانتا صوتي وضميري ونواة الحلم، لم أكن حينها إلا صبية ترى سيدتين بكامل قوتهما تقفان أمام الكاميرا متحديتان الجنود، ومحطمتان كل الأطر المجتمعية بكل احترام، لم يكن الحلم في داخلي يعي أكثر من ذلك حينها قلت "أريد أن أدرس الصحافة لأصبح مراسلة حربية أوصل صوت من لا صوت لهم"، لم أعرف لاحقا أني لا أصلح لهذه المهنة لأني أخاف إذا  "فقع بالون" أمامي، وأني لا أذهب إلى عروض الألعاب النارية لأني أخشى  من صوتها. 

لكن لا بأس فإن حلم الصحافة ظل يرافقني وتشكلت على هيئته حتى لحظة كتابة هذه المدونة، وهذا يعني أن تشكلت على هيئة صحفية، إلا أن حلما جديدا يتشكل في ذهني ويسيطر على خططي المستقبلية بعيدا عن الصحافة.

صورة تعبيرية

كيف تتشكل الأحلام ومن الذي يبدلها، كيف يعيش حلما معك وتظل وفيا له لسنوات ثم فجأة تشعر أنه لم يكن أنت وأنك لم و –لن- تكنه يوما، و لـ "لن" أسباب كثيرة لا علاقة لقدراتك بها ولا لخبرتك أو شغفك أي مدخل، حينما أقول "لن" فذلك لأسباب بيئية وظروف سياسية وبنية اجتماعية، ومعايير تشبه تلك التي جعلتني لا أعتبر معلمة العربي أيقونة لأنثى أود أن أكونها حينما كنت طفلة لأنها "بشعة"، حينما أقول "لن" ذلك  يعني مجموعة من العوامل خارج  قدراتك ومنطقك وإخلاصك، ذلك يعني أنك "لن" تكونها لأن تلك الاستنتاجات كانت مجموعة من الخيبات أحيانا، والظلم حينا آخر، ولأنها كانت مجموعة من "التفاهات" التي تسمي نفسها "نخبة" شاهدتك في مكان لا يمكنك تجاوزه.

بعيدا عن "المظلومية" و "الخيبة" وكل الشماعات التي يعلق الإنسان فشله عليها، أنا اليوم وفي نجاحي وعطائي أردد " أن حلم الإعلام تبدل تماما كما بدّلت مخاوفي حلمي بأن أكون مراسلة حربية وصرت صحفية وعدة ومديرة و"بودكاستر". 

هكذا "فقع بالون" بجانبي كان صوت القبح فيه مشابه لتلك الأصوات التي تصدر من الألعاب النارية ويقرأها عقلي أنها تفجيرات تغتال "البراءة، الإخلاص، والوطن"، البالون الذي "فقع" ذكرني بأنه كان مليء بالهواء فارغ من المحتوى، إلا أن صوته أفزعني وبدد حلمي الأجمل بأن أكون مراسلة حربية أنقل صوت الحق والوطن.. وأولئك الذين لا صوت لهم.

فقع البالون فـ تشكلت الأحلام من ثم تغيرت ..  دون أن أعرف ما معنى الأحلام!

صورة تعبيرية 

تعديل المقال