آخر المقالات

بيت أبو أحمد بيت البنات



ربما كان ذلك خلال محاضرة "تاريخ معاصر" عندما مالت زميلتي وهمست في أذني " لازم تزوجوا أبوكِ"، اعتقدت أنها تمزح، لكنها كرّرت النصيحة التي تراها أنها الطريق الوحيد الذي سيفضي لأن يكون لدي أخ ذكر.





أخبرتها، أنّنا ثلاث شقيقات إناث، وتجنبت الحديث عن "أحمد" حتى أتدارك المزيد من الأسئلة.

هي لا تعرف أن أحمد جاء في اللحظة الأولى من زواج والديّ "شو بدك تسمي ابنك ... أحمد" كبر بيننا دون أن نراه، وظلت أمي تقول لجارتنا مازحة " أنه كسر قلبها عندما هاجر منذ سنوات" ظلت جارتنا تنتظر أحمد ظنا منها أنه حقيقة قد تأتي، قالت يوم ذهبت أمي إلى المستشفى "الله يسامحه ولا رن تيلفون يطمن عليك ... الله يهديه ويرجعه سالم!" ...لكن أحمد لم يعد كان حلمًا أنتجته منظومة تقدس العائلة والعاطفة والولد.

لم تكف زميلتي -المزعجة- عن إقناعي بأهمية الذكر في العائلة فهو السند والعزوة، وأن الأيام ستثبت لي صدق كلامها.

استكملت زميلتي الجامعية حديثها هامسة "صحيح أن الأم لا ذنب لها في جنس المولود ولكن جربوا" هي ذاتها العبارات التي كبرت معنا "بيت أبو أحمد ما عندهم ولاد بس بناتهم ب ١٠٠ رجال"، وكان يتبع تلك العبارة قصص لأبناء عاقين مقابل البنات "الحناين".


كل ذلك لم يكن مهما في المراهقة، الأهم أن مهمة إقناع أهلي للذهاب إلى نشاط غير منهجي سهلة ولا تواجه الكثير من العراقيل التي تواجه صديقاتي بسبب إخوانهم، وزيارة صديقاتي إلى المنزل كانت تلقى رضا وراحة عند الأهل فالبيت كله "بنات"وأحمد مجرد وهم أنتجته الثقافة التي تعزز أن تكون الكنية باسم الولد حتى لو لم يكن موجودا.

لم تكف زميلتي -المزعجة- عن إقناعي بأهمية الذكر في العائلة فهو السند والعزوة، وأن الأيام ستثبت لي صدق كلامها.

ولكن في السادسة من عمري كنت ألعب في "الحارة" مع أولاد عمي قبل أن يسخر مني آخرون. رجعت إلى المنزل باكية كنت أريد من أخي أن يذهب ويتشاجر معهم إلا أنني لم أجد أحمد كان حلمًا أنتجه مجتمع لا يعرف أن القوة ليست بالشجار.

من يومها لم أجد صعوبة بمهام أحمد التي تخلى عنها بدءاً من مهمة إلقاء النفايات في "الحاوية" مرورًا بشراء حاجيات المنزل إلى حمل وزن ثقيل والذهاب إلى الميكانيكي والترخيص وصولًا إلى تحمل الأعباء المادية والإعالة وانتهاء بأن تكوني "الفزعة" والسند وهي مصطلحات تروق لمجتمعاتنا التي عادة ما تلصقها بالرجل.

ولكن بعد الثلاثين تصبح الإجابات على الأسئلة المؤجلة أمرًا حتميًا ويصبح الاندماج أو ربما الاستسلام للمجتمع أمرًا مفروضًا بنكهة الطوعية تصبح إجابة ماذا يعني أن تعيشي بلا أخ أكثر صعوبة وتعقيدا مما كانت عليه في السابق... ربما يعني ذلك شيئا ضمن منظومة إجتماعية تقدس العائلة والعاطفة والولد!
هبة جوهر
بواسطة : هبة جوهر
صحفية ومعدة برامج رئيسية، عملت هبة في عدد من وسائل الإعلام المحلية والدولية، حيث اكتسبت خبرة واسعة تمتد لأكثر من 10 سنوات في مجال الصحافة والإعلام المكتوب والمسموع والمرئي.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-