آخر المقالات

عمارة يعقوبيان تخمد نيران الرقابة

هذه عمارة يعقوبيان في الحقيقة وليس في الفيلم الذي أنتج عام٢٠٠٦ من إخراج مروان حامد، وهو بالأساس رواية لعلاء الأسواني، الذي تعرض لمنع الرقيب قبل انتقاد فيلمه، منع الرقيب لم يكن لرواية "عمارة يعقوبيان" إنما لمجموعة قصصية اسمها "نيران صديقة" في القصة الأولى كان بطلها عصام عبد العاطي، بداية الصة كانت من سخرية عصام على الأغاني الوطنية كان عصام يسخر من الإنجازات التي تتغنى بها تلك الأغنيات أو ما تدعي الحكومات أنه إنجاز.

ميدان طلعت حرب - القاهرة، مصر

الرقيب أجاز نشر الكتاب بعد رحلة طويلة مع الرقابة والتي كانت ترى لجانها أن القصة تحوي آراء هدامة تسخر من قيّم المجتمع والدولة والوطن.

لكن "الرقيب المرعوب" في إحدى زيارات الأسواني إلى هيئة الكتاب قال له أنه يرفض نشر الكتاب لأنه يسخر من الزعيم الوطني مصطفى كامل!

الخوف ليس من الرقيب الموظف إنما من الشبح المرعوب والمتمكن في السيطرة على أدمغتنا!


ليجيب الأسواني: بالعكس أنا أحب مصطفى كامل وأحترمه، الذي يسخر ليس أنا إنما بطل الرواية عصام عبد العاطي!
وبعد حوار أكد خلاله الأسواني أنه يشارك الرقيب عدم رضاه على وجهة نظر عصام عبد العاطي والآراء الواردة على لسانه، حتى طلب الموظف من الأسواني أن يكتب استنكارا يدين خلاله أفكار بطل قصته حتى يجيز النشر .. وفعلا كتب الأسواني.

القصة نشرت ليسب بسبب الاستنكار طبعا، إلا أنها إحدى المحطات التي تعكس حجم الرُعب والقيود في بال الموظفين.. ومفهوم الرقابة على الأدب ومن يُقيم "الصالح والطالح" نيابة عن الناس.
طبعا الرقيب فكرة تطور في أدمغتنا تنمو في كل مرة سألنا سؤالا عن الكون في صغرنا وأخرسونا، تتمدد كل ما أُجبرنا على الحفظ بدل الفهم، كلما حُددت آفاقنا بالسخرية حتى من الأحلام، الرقيب في أدمغتنا يكبر حتى يقتل الأسئلة ويستبد حتى يمنع الحلم!

الخوف ليس من الرقيب الموظف إنما من الشبح المرعوب والمتمكن في السيطرة على أدمغتنا!
غلاف كتاب "نيران صديقة"

"نيران صديقة" أجيز نشرها بعد رواية "عمارة يعقوبيان" و "شيكاجو"، إلا أنه لم يسلم من هجوم المجتمع على رواتيه، لا سيما تلك التي حولت إلى فيلم، لكن عمارة يعقوبيان تتوسط ميدان طلعت حرب، أعطاها الفيلم والرواية لمعانا مضاعفا عما حولها من المباني، وكأنها سيدة الميدان، وبطلة المكان، وآلة زمن تنقلك إلى زمن ينهار فيه زكي باشا أمام حبيبته الشابة ويصرخ في نصف الشارع "يبصوا علينا ليه يبصوا على العمارات الي كانت أحسن من عمارات أوروبا دي الوقت بقت مزابل مِن فوق ومن تحت مسخ ..احنا في زمن المسخ".
الفيلم الذي قدم صورا لرجل الأعمال الذي تقاطع مع السياسة ورجال الدين، والشذوذ، وكيف يتشكل الإرهاب، وكيف تعيش الصداقة، ومن أين ينبت الحب، كل ذلك في عمارة واحدة فيها الباشا والصحفي والحارس والمرأة المتجبرة، والفتاة العاشقة.

كل ذلك في قصة أجازها الرقيب وانتقدها المجتمع، إلا أن الفن حفظها في أرشيف السينما المصرية والعربية كواحدة من أهم الأعمال الفنية، والتي يبحث عنها من شاهد الفيلم وزار القاهرة، سواء تذكر التفاصيل أو غابت عن باله، إلا أن عمارة يعقوبيان تبقى إرثا عمرانيا عمق الفن والأدب وجوده في وجدان الحضارة المصرية، رغما عن الرقيب والمجتمع.

هبة جوهر
بواسطة : هبة جوهر
صحفية ومعدة برامج رئيسية، عملت هبة في عدد من وسائل الإعلام المحلية والدولية، حيث اكتسبت خبرة واسعة تمتد لأكثر من 10 سنوات في مجال الصحافة والإعلام المكتوب والمسموع والمرئي.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-