الملصق الترويجي لمسلسل "النار بالنار"
لا يكفي أن تُقدم نجوما وتمثيلا احترافيا دون بناء لشخصياتهم، وبيئة منطقية تدل على ما كانت عليه الشخصية وما دوافعها لتصبح ما هي عليه في العمل، لا يكفي أن تعطي جرعة من الجرأة بشكل افتعالي وبسياق ضعيف، وتُقاتل بسيف ."الجرأة" دفاعا عن عمل ناقص
لا يمكن لعابد فهد وكل أدواته ولا لجماهيرية كاريس بشار ولا حرفية جورج خباز على المسرح أن تشعل نار المنافسة في "النار بالنار" ومع فقدان النص لأحداثه وعدم منطقية تسلسلها فإن نار النقد ستحرق كل الأدوات والجماهيرية والحرفية.
إيقاع بطيء، تكرار للمشاهد، قفزات غير منطقية، وشخصيات تأتي وتذهب بلا سبب، وكاسيت لو حرقته نيران عمران كان سيصبح بمعنى، وخلع للحجاب وعلاقة غير شرعية لمريم "الدرويشة" الصوفية التي انتظرت زوجها طويلا حتى يعود، وسطحية في تقديم الشخصيات والقضية.
فـاليساري سكران يلعب القمار وصورة جيفارا في بيته المهدم وعلى جدران المنزل صورة "زياد الرحباني" مع أغنية "بلا ولا شي" على أساس أنها رمزية لعلاقته مع زوجته! رغم أن هذا الرجل كان صحفيا استقصائيا وكان يعشق الكتب ويبني مكتبة مليئة بالثقافة، لكن ما الذي حصل معه ولماذا هذا التحول؟ لا جواب ولا مرحلة فاصلة تذكرها أحداث المسلسل.
أما الموسيقي يسكن منزلا مرتبا ونظيفا ورغم انطوائيته وخوفه من الناس إلا أنه شخص كثير الاشتباك مع الآخرين ويختلق المشاكل ويعلق اليافطات العنصرية في الحارة، ويتشاجر مع أي أحد رغم أن منزله محكم التأمين بثلاثة أقفال إضافية.
والمتدينة "درويشة" تمشي باعوجاج في قدميها "دون مبرر أو قصة" تقبل فتات الخبز وتضعه جانبا، كثيرة الدعوات وهادئة إلا أنها ودون مبرر أيضا "رداحة" وعدائية.
في حين أن "الداعشي" يتكلم الفصحى، يكرر عبارة "شعب جاهل" متزوج من طفلة، تزوج في السجن من أخرى، وطبعا لإظهار أنه متزوج من طفلة وحامل كان هناك تكرار لمشاهد أنها تتابع بشغف أفلام كرتون على "الآي باد" وهو تقديم سطحي لمعنى البراءة والطفولة في عمر المراهقة.
تبدو شخصية عمران أكثر متانة في البناء، فـ "المرابي" يحافظ على أول "دولار" حصل عليه من ثروته التي جمعها من ضعف الناس وعلى حساب أوجاعهم، لا يرق قلبه إلا للنقود، وحين قلبه مال أحب "الدرويشة"، بنت بلده، التي قالت له يوما "مبين عليك ابن حلال" ورغم ذلك ظل وحشيا في انتقامه، هذه الشخصية مع الأداء هي الأكثر منطقية، وعلى الرغم مِن دلك كان من الأفضل إظهار البيئة التي نشأ فيها ومبرراته ليكون على ما هو عليه اليوم.
عابد فهد في المسلسل
ربما أفضل ما قدمه مخرج العمل محمد عبد العزيز هو مشاركة ابنه في العمل تيم محمد عبد العزيز، والذي كان له حضورا واضحا وشخصية مميزة في أحداث المسلسل.
بالمناسبة محمد عبد العزيز هو مخرج "شارع شيكاغو" والذي كانت بدايته مشوقة ونجومه يمتلكون الأدوات والجماهيرية والحرفية، بالإضافة إلى نقاش قضية جريئة، لكن الأحداث كانت بطيئة والحلقات طويلة، والجمال أضاعته المطمطة في الشارع.
يبدو من هذين العملين أن المخرج يمتلك القدرة على إضاعة حرفية التمثيل وأهمية المواضيع في طريقة العرض والإخراج.
كانت الاتهامات واضحة من كاتب العمل رامي كوسا للمخرج بتغيير النص، وامتلأت المواقع الإخبارية ومحطات البث التلفزيونية والإذاعية بردود بين المخرج والكاتب الذي أعلن انسحابه من العمل في حلقاته الأخيرة، إلا أن ذلك لا يعفي رامي كوسا، حيث أن العمل ومنذ بدايته "فيه شي ناقص".
العمل ظل متكئا على أداء الممثلين، وعطش المُشاهد الممتلئ بالدراما السطحية لدراما فيها قضية دسمة، إلا أن ضياع النص وعدم منطقية التسلسل لم تروي ظمأه.
كان "النار بالنار" نواة لعمل يُحفظ بالأرشيف والذاكرة، لولا توهان النص وضعف بناء الشخصيات وسذاجة الرمزية، فأكلت النار بريق النجاح بالنار.